- البطيخ"الحنّوشي" أو البطيخ"العشاري"
- كما يحلو للبعض أن يسميه كان على مدى حوالي
- النصف قرن أحد المنتجات التي تميز"دير الزور" على مستوى"سورية" كلها
- و ذلك بسبب حلاوة طعمه الشديدة و جمال منظره، لكن المحزن
- هو تراجع إنتاج هذا الصنف كماً و كيفاً، حتى تحول هذا البطيخ ليكون
- في الذكريات ومن الممكن ان نقول إنه انقرض في بعض المحافظات..
"eSyria" ذهبت إلى"العشارة" و هي معقل البطيخ في"الدير"
و نسبة لها سمي بـ"العشاري" و هناك كان اللقاء
الأهم في هذا التقرير الصحفي، مع الشاعر و الأديب"إسماعيل الخلف"
و هو ابن الأسرة التي أنتجت هذا الصنف،
ندعكم معه ليروي قصة أسرته مع هذا البطيخ المميز:
«كانت حياة أسرتي موزعة بين البادية و"الزور"
، طبعاً "الزور" هنا المنطقة السكنية من القرى
و المدن المجاورة للـ"فرات" لذا كانت الأسرة
تربي"الخيول" و"الجمال" و"الأغنام"
هذا عدا عن عملها بالزراعة، فأنا من مواليد1953
و ولدت في منطقة"المضابع"، فالأسرة
و خاصة عميد الأسرة"حنّوش الخلف"،
و الذي ينسب إليه تسمية صنف البطيخ الذي اشتهرت به"دير الزور"
فيما بعد، كان من السباقين في مجال الزراعة، إذ أنشأ هو
و أخواه -كل واحد منهم- بستان من15إلى20 دونما
و ذلك منذ أواخر الأربعينات،
و احتوى كل بستان على أشجار مثمرة أهمها النخيل،
و كانت البساتين نادرة، و كان ينظر"للتطعيم"
كنوع من السحر، و كان عمي"حنّوش" يتابع كل جديد
، و بدؤوا يزرعون الخضروات، و الحبوب».
**نبتة واحدة أنتجت هذا الصنف:
كان أهلي يزرعون"البطيخ الحلبي"
، و صنف آخر يسمى"الشمّام"، و في أحد المواسم ظهرت شتلة"سقيْط"
: "غير مزروعة من قبل الفلاح، أي بذرتها أتت من مصدر
خارجي، مثل الريح، الماء، الحيوانات"
و كانت مختلفة عن البقية و احتوت على 7ثمرات
و كان والدي"ابراهيم الخلف" يتابع هذا"الشرش"
المميز عن بقية النباتات، و ذلك في أواخر الأربعينات
و أول الخمسينات، و ذلك بعد أن لاحظ تميز
هذا الصنف بانفصال ثمرته عن"الشرش
" و قام والدي بحمل الثمرة ليريها لعمه"حنّوش
الخلف"،"و الذي نسب إليه تسمية البطيخ"الحنوّشي"
الذي حاول بدوره أن يقرأ تميز
هذه الثمرة كصفات فلاحظ ما يلي:
1-انفصال الثمرة بشكل تلقائي.
2-وجود خطوط زرقاء طولية تقسم البطيخة إلى"حزوز"
و تلتقي هذه الخطوط بمنطقة العنق و الوردة .
3-لما شقت هذه البطيخة كانت المفاجأة التالية
و هي أن حجم الفراغ الداخلي بالبطيخة ضيق، بحيث كان
بالكاد يتسع للبذور الموجودة مما يعطي متانة،
و كذلك يزيد مسافة اللب في الثمرة،
كبيرة، أي هي ضعف أو أكثر
من ضعف مما هي عليه في أصناف
البطيخ التي كنا نزرعها.
4-عند تذوق هذا البطيخ تجد حلاوة هذا الصنف
أضعاف ما كانت عليه عند الأصناف الأخرى.
لذا تم الاحتفاظ ببذرات هذه الثمرة
ومراقبة بقية الثمرة حتى نضجت تماماً.
في الموسم التالي زرعوا هذه البذور كاملة
دون خلطها و لما أنتجت تم تسويق البطيخ في"الميادين
" وكانوا يحملون المحصول على"الحمير"
و لكي يسوقوا هذا المحصول الجديد كان لابد
من بعض الدعاية، و عند تنزيل أول"خرجين"
"مفردها خرج و هو ما يحمله الحما
ر أو الحصان على ظهره لتوضع ضمنه الأحمال"
و كل"خرج"يتسع حتى100كغ،
و أدعى شخص ما أن صورة إنسان بداخل البطيخة
، و ذلك لكي يجذب الناس ليتذوقوا البطيخ،
فتسابق الناس على شرائها، و كانت تلك الدعاية
هي الخطوة الأولى باتجاه إشهار هذا الصنف،
فأصبح الناس ينتظرون مجيء هذا البطيخ
على السوق، ثم تزايد الإنتاج بتتالي السنوات
، و لقد عاصرت الفترة التي أصبح فيها الإنتاج ينقل بالسيارات
و قبل إنشاء سوق الهال ب"دير الزور"
بأواسط الستينات بدأت أنزل مع السيارات إلى"الدير"
إذ كان هناك "دلّلالين" لديهم محلات ضمن فروع
من الشارع العام، مثل محل"سعيد حداد"
الذي كانت تنزل عنده الخضرة،
و كان"سعيد حداد" يمد الفلاحين بالأسمدة
و المبيدات اللازمة لمحاصيلهم كسلف على المحصول،
و في سنة1965 دخل أول مرش زراعي على"العشارة".
هذا و بعد ثلاث سنوات من اكتشاف هذا الصنف تم توزيع
هذا الصنف على الأقارب على المعارف و
الأصدقاء، بحيث أصبحت"العشارة" في الستينات
|
التاجران عصام الهجر و تيسير المصطفى |
هي الأميز في إنتاج البطيخ
، بل أن البطيخ الحنّوشي" أصبح له تحت
أصناف مثل المكور لا يتحمل الشحن
بينما الإهليلجي يتحمل ذلك، و بعد هذه المرحلة
أصبح البطيخ يذهب على أسواق"حلب"
أكثر مما يسوّق"الدير" بل إنه كان ينقل أيضاً
إلى أسواق"الحسكة"و"القامشلي"، وأنشئت جمعية
زراعية في"العشارة" سنة1967،
فانطلقت
الجمعية بماكينة واحدة ثم زاد عدد المحركات حتى سنة 1970
حيث دخلت مناطق جديدة في العملية الزراعية كانت من قبل
لا تزرع إلا شتاء بالحبوب مثل منطقة"الحاوي"
: "و هو ما يطلق على الأماكن التي تكون بعد الأراض
ي المزروعة الأقرب إلى الفرات في القرى الواقعة عليه،
و التي تفصل بين البادية و هذه القرى
" أما صيفاً فلم تكن تزرع بسبب قلة الماء.
إذا من بداية السبعينات تضاعفت مساحة الأراضي
المزروعة5إلى 6مرات عما كانت عليه من قبل مما أحدث
ثورة في الإنتاج أدت إلى فتح سوق للخضرة
خاص"بالعشارة" و أصبح التجار يقصدونه
من كل محافظات القطر،
و أذكر أنني في فترة الخدمة الإلزامية و كنت في محافظة "درعا"
قد شاهدت البطيخ"العشاري" يباع هناك،
و عندما سألت تأكدت أن المصدر من"العشارة"
و لم يقتصر الأمر على البطيخ الأصفر" بل أصبحنا ننتج "الجبس"
أو البطيخ الأحمر"أيضاً و بهذا أصبحت فترة السبعينات
هي العصر الذهبي للبطيخ "العشاري" أو "الحنوّشي
" الذي كانت"العشارة" تمول القطر كله منه.
أما في فترة الثمانينات فحدث العكس،
إذ شهدت هذه الفترة تراجعا كبيرا لزراعة
البطيخ بنوعيه و سبب ذلك "الصبخ" أو تملح الأرض
**عمليات الانتخاب و حفظ الصنف..
«يبدأ ذلك من البذور إذ كون البطيخة طولانية فقلب البطيخة يكون
طولاني كذلك و البذور التي تكون من جهة الطرفين
أي من جهة العنق أو من جهة الوردة تكون أضعف من البذور
التي في الوسط، لذا نحتفظ بالبذور ذات الحجم الجيد فقط .
أيضاً يضاف إلى ذلك انتقاء الثمار على أساس
المواصفات الظاهرية و التسويقية،
و عندما تحول هذا الصنف إلى ضروب
صرنا نبقي الذي تحمل الشحن، و كذلك الأكثر حلاوة
ملاحظة : لا يرغب بالبطيخة التي يكون فراغها الداخلي كبير،
لأن ذلك يقلل من سماكة اللب المأكول.
و بالنسبة لي سأقوم بالمحافظة على بذور هذا الصنف
بنفسي من خلال إعادة الزراعة و الانتخاب بكل موسم».
**التحسينات التي حصلت:
يتابع "الخلف": «بعد شق قنوات الصرف
في التسعينات خفت ملوحة الأرض واستعادت قدرتها الإنتاجية
بل إن"الزل" و نباتات الأخرى التي نمت بقنوات
الري ساهمت بحماية و حفظ بعض الحيوانات المهددة
بالانقراض مثل"النمر الفراتي"، وهذا التحسن بالأرض
أدى إلى رجوع إنتاج البطيخ"للعشارة" و لكن ليس بالكميات
السابقة و لم يعد مقصوراً على هذا الصنف، بل دخلت
أصناف جديدة مستوردة و محسنة منافسة للبطيخ"الحنّوشي
" أو"العشاري"، كذلك ارتفاع أسعار المحاصيل الأخرى
قلل من المساحات المخصصة لزراعة البطيخ».
**طرفة عن البطيخ "الحنّوشي" أو "العشاري"...
يقول "الخلف": أثناء التسويق بـ"الدير"
بمحل "سعيد حداد" كان هناك تجار"حلبيين"، تراهنوا مع أحد أقربائن
ا من منتجي البطيخ "الحنّوشي"
أو"العشاري"، على أيهما أحلى
البطيخ أم البقلاوة و كان بعض الرجال من الحضور
محكمين لهذا الرهان، فآلت النتيجة لصالح البطيخ
المحلي فتفوق على البقلاوة بحلاوته».
**ومن المعمرين التقى"eSyria"
مع"صالح محمد الخليف" من أهالي"العشارة"
عمره حوالي80 سنة
و هو مزارع متخصص بالبطيخ و عن هذا الصنف قال لنا:
«زرعت هذا الصنف منذ بداية انتشاره و تميزت
"العشارة" على مدى حوالي50 عاما ببطيخها فانتشر بكل
أنحاء"سورية"، و ذلك لما لأرضها من جودة في الإنتاج
و لما لفلاحها من شغف بزراعة البطيخ، و لكن الإسراف
بالسماد المعدني، و كذلك"الصبخ" أثر على زراعة البطيخ،
و نتمنى أن ترجع"العشارة" تنتج
وعن تراجع البطيخ"العشاري" أو"الحنّوشي" قال لنا:
«بطيخ"العشارة" شارف على الانقراض
، و هناك عوامل عديدة لذلك أول هذه العوامل هي:
- 1العامل التجاري :
و يعزى له أكثر من
90% من تراجع بطيخ العشارة، دخلت بالتدريج بذار أجنبية
هجينة تميزت بسرعة النضج وغزارة الإنتاج و
قساوة الثمار"مما يساعد في عمليات الشحن إلى بيروت
و دمشق" هذه العوامل حققت مردودا
ماديا ممتازا للفلاح مما جعله يفضل هذه الأصناف
الأجنبية"، ومعظمها من طراز الأناناس
" على الصنف المحلي المسمى"الحنوّشي
" أو"العشاري"، طبعاً طراز"أناناس" سعره أعلى من سعر بطيخ"العشارة"
لأنه مبكر النضج يزرع بعد منتصف الشهر الأول
و يقطف ببداية الشهر الخامس، و حتى الطراز"أناناس"
حلاوته في تراجع" بسبب الاعتماد على أصناف
منه تتميز بالدرجة الأولى بالشكل
و الغزارة و الباكورية على حساب الحلاوة.
2-التسميد: شدة استخدام الأسمدة الكيماوية
أو المعدنية تؤثر على المنتج، و هناك قناعة لدى المزارع
بأن كثرة استخدام الأسمدة الكيماوية يؤدي إلى زيادة الإنتاجية
، و هذا يعكس جهل لدى المزارع و ذلك لأن هذه
الزيادة بالمعدلات السمادية أو النسب الخاطئة بين العناصر
السمادية، و خصوصا الأساسية منها مثل الآزوت
و الفوسفور و البوتاسيوم يسبب تأثير سلبي على نكهة و طعم الثمار الناتجة،
فالاستخدام الصحيح للأسمدة يعطي
أفضل صيغة لإنتاج النبات، و على سبيل المثال زيادة عنصر
الآزوت، يعطي نمو ممتاز للنبات مما يسعد الفلاح و لكنه
يؤدي إلى تراجع عدد الإزهار مما يؤثر على الإثمار
و بالتالي المحصول، و كذلك يخفض نسبة السكر في النبات
"حلاوة النبات"، كذلك إهمال عنصر البوتاسيوم
، يؤدي إلى صغر حجم البذار و قلة حلاوتها، أما زيادته فتؤدي إلى تشقق الثمار.
3-تغير الظروف الجوية: مثل طول فترات الجفاف"عدم نزول الأمطار"
و الإنتاج و تحمل الأمراض"».